سورة هود - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)}
اعلم أنه تعالى لما ذكر أن عذاب أولئك الكفار وإن تأخر إلا أنه لابد وأن يحيق بهم، ذكر بعده ما يدل على كفرهم، وعلى كونهم مستحقين لذلك العذاب. فقال: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لفظ {الإنسان} في هذه الآية فيه قولان:
القول الأول: أن المراد منه مطلق الإنسان ويدل عليه وجوه:
الأول: أنه تعالى استثنى منه قوله: {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل، فثبت أن الإنسان المذكور في هذه الآية داخل فيه المؤمن والكافر، وذلك يدل على ما قلناه.
الثاني: أن هذه الآية موافقة على هذا التقرير لقوله تعالى: {والعصر * إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} [العصر: 1 3] وموافقة أيضاً لقوله تعالى: {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} [المعارج: 19 21] الثالث: أن مزاج الإنسان مجبول على الضعف والعجز.
قال ابن جريج في تفسير هذه الآية يا ابن آدم إذا نزلت لك نعمة من الله فأنت كفور، فإذا نزعت منك فيؤس قنوط.
والقول الثاني: أن المراد منه الكافر، ويدل عليه وجوه:
الأول: أن الأصل في المفرد المحلى بالألف واللام أن يحمل على المعهود السابق لولا المانع، وهاهنا لا مانع فوجب حمله عليه والمعهود السابق هو الكافر المذكور في الآية المتقدمة.
الثاني: أن الصفات المذكورة للإنسان في هذه الآية لا تليق إلا بالكافر لأنه وصفه بكونه يؤساً، وذلك من صفات الكافر لقوله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القووم الكافرون} [يوسف: 87] ووصفه أيضاً بكونه كفوراً، وهو تصريح بالكفر ووصفه أيضاً بأنه عند وجدان الراحة يقول: {ذهب السيئات عني} [هود: 10] وذلك جراءة على الله تعالى، ووصفه أيضاً بكونه فرحاً {والله لاَ يُحِبُّ الفرحين} [القصص: 76] ووصفه أيضاً بكونه فخوراً، وذلك ليس من صفات أهل الدين. ثم قال الناظرون لهذا القول: وجب أن يحمل الاستثناء المذكور في هذه الآية على الاستثناء المنقطع حتى لا تلزمنا هذه المحذورات.
المسألة الثانية: لفظ الإذاقة والذوق يفيد أقل ما يوجد به الطعم، فكان المراد أن الإنسان بوجدان أقل القليل من الخيرات العاجلة يقع في التمرد والطغيان، وبإدراك أقل القليل من المحنة والبلية يقع في اليأس والقنوط والكفران فالدنيا في نفسها قليلة، والحاصل منها للإنسان الواحد قليل، والإذاقة من ذلك المقدار خير قليل ثم إنه في سرعة الزوال يشبه أحلام النائمين وخيالات الموسوسين، فهذه الإذاقة من قليل، ومع ذلك فإن الإنسان لا طاقة له بتحملها ولا صبر له على الإتيان بالطريق الحسن معها.
وأما النعماء فقال الواحدي: إنها إنعام يظهر أثره على صاحبه، والضراء مضرة يظهر أثرها على صاحبها، لأنها خرجت مخرج الأحوال الظاهرة نحو حمراء وعوراء، وهذا هو الفرق بين النعمة والنعماء، والمضرة والضراء.
المسألة الثالثة: اعلم أن أحوال الدنيا غير باقية، بل هي أبداً في التغير والزوال، والتحول والانتقال، إلا أن الضابط فيه أنه إما أن يتحول من النعمة إلى المحنة، ومن اللذات إلى الآفات وإما أن يكون بالعكس من ذلك، وهو أن ينتقل من المكروه إلى المحبوب، ومن المحرمات إلى الطيبات.
أما القسم الأول: فهو المراد من قوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} وحاصل الكلام أنه تعالى حكم على هذا الإنسان بأنه يؤس كفور. وتقريره أن يقال: أنه حال زوال تلك النعمة يصير يؤساً، وذلك لأن الكافر يعتقد أن السبب في حصول تلك النعمة سبب اتفاقي، ثم إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى فلا جرم يستبعد عود تلك النعمة فيقع في اليأس.
وأما المسلم الذي يعتقد أن تلك النعمة إنما حصلت من الله تعالى وفضله وإحسانه وطوله فإنه لا يحصل له اليأس، بل يقول لعله تعالى يردها إلى بعد ذلك أكمل وأحسن وأفضل مما كانت، وأما حال كون تلك النعمة حاصلة فإنه يكون كفوراً لأنه لما اعتقد أن حصولها إنما كان على سبيل الاتفاق أو بسبب أن الإنسان حصلها بسبب جده وجهده، فحينئذ لا يشتغل بشكر الله تعالى على تلك النعمة. فالحاصل أن الكافر يكون عند زوال تلك النعمة يؤوساً وعند حصولها يكون كفوراً.
وأما القسم الثاني: وهو أن ينتقل الإنسان من المكروه إلى المحبوب، ومن المحنة إلى النعمة، فهاهنا الكافر يكون فرحاً فخوراً.
أما قوة الفرح فلأن منتهى طمع الكافر هو الفوز بهذه السعادات الدنيوية وهو منكر للسعادات الأخروية الروحانية، فإذا وجد الدنيا فكأنه قد فاز بغاية السعادات فلا جرم يعظم فرحه بها، وأما كونه فخوراً فلأنه لما كان الفوز بسائر المطلوب نهاية السعادة لا جرم يفتخر به، فحاصل الكلام أنه تعالى بين أن الكافر عند البلاء لا يكون من الصابرين، وعند الفوز بالنعماء لا يكون من الشاكرين. ثم لما قرر ذلك قال: {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} والمراد منه ضد ما تقدم فقوله: {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ} المراد منه أن يكون عند البلاء من الصابرين، وقوله: {وَعَمِلُواْ الصالحات} المراد منه أن يكون عند الراحة والخير من الشاكرين. ثم بين حالهم فقال: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} فجمع لهم بين هذين المطلوبين. أحدهما: زوال العقاب والخلاص منه وهو المراد من قوله: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} والثاني: الفوز بالثواب وهو المراد من قوله: {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ومن وقف على هذا التفصيل الذي ذكرناه علم أن هذا الكتاب الكريم كما أنه معجز بحسب ألفاظه فهو أيضاً معجز بحسب معانيه.


{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)}
اعلم أن هذا نوع آخر من كلمات الكفار، والله تعالى بين أن قلب الرسول ضاق بسببه، ثم إنه تعالى قواه وأيده بالإكرام والتأييد، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رؤساء مكة قالوا: يا محمد اجعل لنا جبال مكة ذهباً إن كنت رسولاً، وقال آخرون: ائتنا بالملائكة يشهدون بنبوتك. فقال: لا أقدر على ذلك فنزلت هذه الآية.
واختلفوا في المراد بقوله: {تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بكتاب ليس فيه شتم آلهتنا حتى نتبعك ونؤمن بك، وقال الحسن اطلبوا منه لا يقول: {إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} [طه: 15] وقال بعضهم: المراد نسبتهم إلى الجهل والتقليد والإصرار على الباطل.
المسألة الثانية: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يخون في الوحي والتنزيل وأن يترك بعض ما يوحى إليه، لأن تجويزه يؤدي إلى الشك في كل الشرائع والتكاليف وذلك يقدح في النبوة وأيضاً فالمقصود من الرسالة تبليغ تكاليف الله تعالى وأحكامه فإذا لم تحصل هذه الفائدة فقد خرجت الرسالة عن أن تفيد فائدتها المطلوبة منها، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ} شيئاً آخر سوى أنه عليه السلام فعل ذلك وللناس فيه وجوه:
الأول: لا يمتنع أن يكون في معلوم الله تعالى أنه إنما ترك التقصير في أداء الوحي والتنزيل لسبب يرد عليه من الله تعالى أمثال هذه التهديدات البليغة الثاني: أنهم كانوا لا يعتقدون بالقرآن ويتهاونون به، فكان يضيق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه، فهيجه الله تعالى لأداء الرسالة وطرح المبالاة بكلماتهم الفاسدة وترك الالتفات إلى استهزائهم، والغرض منه التنبيه على أنه إن أدى ذلك الوحي وقع في سخريتهم وسفاهتهم وإن لم يؤد ذلك الوحي إليهم وقع في ترك وحي الله تعالى وفي إيقاع الخيانة فيه، فإذا لابد من تحمل أحد الضررين وتحمل سفاهتهم أسهل من تحمل إيقاع الخيانة في وحي الله تعالى، والغرض من ذكر هذا الكلام التنبيه على هذه الدقيقة، لأن الإنسان إذا علم أن كل واحد من طرفي الفعل والترك يشتمل على ضرر عظيم، ثم علم أن الضرر في جانب الترك أعظم وأقوى سهل عليه ذلك الفعل وخف، فالمقصود من ذكر هذا الكلام ما ذكرناه.
فإن قيل: قوله: {فَلَعَلَّكَ} كلمة شك فما الفائدة فيها؟
قلنا: المراد منه الزجر، والعرب تقول للرجل إذا أرادوا إبعاده عن أمر لعلك تقدر أن تفعل كذا مع أنه لا شك فيه، ويقول لولده لو أمره لعلك تقصر فيما أمرتك به ويريد توكيد الأمر فمعناه لا تترك.
وأما قوله: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} فالضائق بمعنى الضيق، قال الواحدي: الفرق بينهما أن الضائق يكون بضيق عارض غير لازم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفسح الناس صدراً، ومثله قولك: زيد سيد جواد تريد السيادة والجود الثابتين المستقرين، فإذا أردت الحدوث قلت: سائد وجائد، والمعنى: ضائق صدرك لأجل أن يقولوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ}.
فإن قيل: الكنز كيف ينزل؟
قلنا: المراد ما يكنز وجرت العادة على أنه يسمي المال الكثير بهذا الاسم، فكأن القوم قالوا: إن كنت صادقاً في أنك رسول الإله الذي تصفه بالقدرة على كل شيء وإنك عزيز عنده فهلا أنزل عليك ما تستغني به وتغني أحبابك من الكد والعناء وتستعين به على مهماتك وتعين أنصارك وإن كنت صادقاً فهلا أنزل الله معك ملكاً يشهد لك على صدق قولك ويعينك على تحصيل مقصودك فتزول الشبهة في أمرك، فلما لم يفعل إلهك ذلك فأنت غير صادق، فبين تعالى أنه رسول منذر بالعقاب ومبشر بالثواب ولا قدرة له على إيجاد هذه الأشياء. والذي أرسله هو القادر على ذلك فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ولا اعتراض لأحد عليه في فعله وفي حكمه. ومعنى {وَكِيلٌ} حفيظ أي يحفظ عليهم أعمالهم، أي يجازيهم بها ونظير هذه الآية، قوله تعالى: {تَبَارَكَ الذي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مّن ذلك جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً} [الفرقان: 10] وقوله: {قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} [الإسراء: 90] إلى قوله: {قُلْ سبحان رَبّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} [الإسراء: 93].


{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)}
اعلم أن القول لما طلبوا منه المعجز قال معجزي هذا القرآن ولما حصل المعجز الواحد كان طلب الزيادة بغياً وجهلاً، ثم قرر كونه معجزاً بأن تحداهم بالمعارضة، وتقرير هذا الكلام بالاستقصاء قد تقدم في البقرة وفي سورة يونس وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: الضمير في قوله: {افتراه} عائد إلى ما سبق من قوله: {يوحى إِلَيْكَ} أي إن قالوا إن هذا الذي يوحى إليك مفترى فقل لهم حتى يأتوا بعشر سور مثله مفتريات وقوله مثله بمعنى أمثاله حملا على كل واحد من تلك السور ولا يبعد أيضاً أن يكون المراد هو المجموع، لأن مجموع السور العشرة شيء واحد.
المسألة الثانية: قال ابن عباس: هذه السورة التي وقع بها هذا التحدي معينة، وهي سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة ويونس وهود عليهما السلام، وقوله: {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} إشارة إلى السور المتقدمة على هذه السورة، وهذا فيه إشكال، لأن هذه السورة مكية، وبعض السور المتقدمة على هذه السورة مدنية، فكيف يمكن أن يكون المراد من هذه العشر سور التي ما نزلت عند هذا الكلام، فالأولى أن يقال التحدي وقع بمطلق السور التي يظهر فيها قوة تركيب الكلام وتأليفه.
واعلم أن التحدي بعشر سور لابد وأن يكون سابقاً على التحدي بسورة واحدة، وهو مثل أن يقول الرجل لغيره أكتب عشرة أسطر مثل ما أكتب، فإذا ظهر عجزه عنه قال: قد اقتصرت منها على سطر واحد مثله.
إذا عرفت هذا فنقول: التحدي بالسورة الواحدة ورد في سورة البقرة، وفي سورة يونس كما تقدم، أما تقدم هذه السورة على سورة البقرة فظاهر، لأن هذه السورة مكية وسورة البقرة مدنية، وأما في سورة يونس فالإشكال زائل أيضاً، لأن كل واحدة من هاتين السورتين مكية، والدليل الذي ذكرناه يقتضي أن تكون سورة هود متقدمة في النزول على سورة يونس حتى يستقيم الكلام الذي ذكرناه.
المسألة الثالثة: اختلف الناس في الوجه الذي لأجله كان القرآن معجزاً، فقال بعضهم: هو الفصاحة، وقال بعضهم: هو الأسلوب، وقال ثالث: هو عدم التناقض، وقال رابع: هو اشتماله على العلوم الكثيرة، وقال خامس: هو الصرف، وقال سادس: هو اشتماله على الإخبار عن الغيوب، والمختار عندي وعند الأكثرين أنه معجز بسبب الفصاحة، واحتجوا على صحة قولهم بهذه الآية لأنه لو كان وجه الإعجاز هو كثرة العلوم أو الأخبار عن الغيوب أو عدم التناقض لم يكن لقوله: {مُفْتَرَيَاتٍ} معنى أما إذا كان وجه الإعجاز هو الفصاحة صح ذلك لأن فصاحة الفصيح تظهر بالكلام، سواء كان الكلام صدقاً أو كذباً، وأيضاً لو كان الوجه في كونه معجزاً هو الصرف لكان دلالة الكلام الركيك النازل في الفصاحة على هذا المطلوب أوكد من دلالة الكلام العالي في الفصاحة ثم إنه تعالى لما قرر وجه التحدي قال: {وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صادقين} والمراد إن كنتم صادقين في ادعاء كونه مفترى كما قال: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه}.
واعلم أن هذا الكلام يدل على أنه لابد في إثبات الدين من تقرير الدلائل والبراهين، وذلك لأنه تعالى أورد في إثبات نبوة محمد عليه السلام هذا الدليل وهذه الحجة، ولولا أن الدين لا يتم إلا بالدليل لم يكن في ذكره فائدة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8